دنيا المغتربين : خاص : أنتقل الى رحمة الله تعالى يومنا هذا الأحد 22 ربيع الأول 1439هجرية الموافق 10 ديسمبر 2017م الفنان الكبير أبو بكر سالم بلفقيه ، والذي يعتبر أحد رواد الفن المميزين في عالمنا العربي وخاصة بعد أن أصبح أحد رموز الفن العربي الأصيل في الجزيرة العربية والخليج .
الفنان أبو بكر سالم بن زين بن حسين بلفقيه الذي يحمل الجنسية السعودية ( من أصول حضرمية ) توفي اليوم في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية بعد صراع مع المرض ، ولقد ولد في 17 مارس 1939 في مدينة تريم الحضرمية ، وأمضى ( 60 ) عاماً من عمره مخلصاً لفنه وأستاذاً لأجيال حاولت السير على خطاه واقتفاء أثر الجواب والقرار في حنجرته الذهبية ، روح الفنان نشأت في داخله منذ صغره ، كيف لا وهو كتب أول نص غنائي في الـ ( 17 ) من عمره بعنوان ” يا ورد محلا جمالك ” ، ولم تستغرب عائلته أن الطفل اليتيم الذي توفي والده وهو في الـ ( 8 ) أشهر من عمره أن يظهر نبوغاً في سن مبكر ، لا سيما وأنه نشأ في بيئة مثقفة تقدر العلم والعلماء في مدينة “تريم” بحضرموت جنوب اليمن ، والتي لازالت تحتفظ بمكانتها العلمية إلى يومنا الحاضر ، ثم انتقل إلى مكة المكرمة ، وعاش فيها فترة من بدايات عمره ثم عاد إلى ” تريم ” من جديد .
أبو بكر سالم بلفقيه متألقا في شبابه
أبو بكر سالم بلفقيه رائد من روُاد الطرب الأصيل والمغنى الرائد على مر العقود للطرب والموسيقى في الوطن العربي بأسره ومن اعظم الاصوات في العالم حيث أنه تشرب الفن والأدب من أنقى ينابيعه الأصيلة وغدا علمُ من أعلام الفن الحضرمي خاصة والعربي عامة وأسس لنفسه مدرسة خاصة سميت باسمه وتتلمذ على يده جيلُ بأكمله .
ظهرت مواهب أبوبكر سالم الفنية منذ صباه ، حيث اشتهر في صباه كمنشد للأناشيد والموشحات الدينية بالإضافة إلى أنه كان مُولعاً بالأدب والشعر إلى جانب حبه الكبير للغناء الذي ما رسه بشكل رسمي بعد الانشاد ، كما عُرف عنه آنذاك شغفه ، وتأثره بأخواله ( آل الكاف ) الذين تميّزوا بالعلم والثقافة والغناء ، وخاصة ( حداد بن حسن الكاف ) .
الفنان الكبير أبو بكر سالم بلفقيه موسوعة فكر وإبداع وتميز
غادر أبوبكر تريم مسقظ رأسه في مقتبل شبابه وانتقل واستقر في مدينة عدن في منتصف الخمسينات وكانت عدن آنذاك تشهد نهضة فنية كبيرة التحق بالوسط الفني ، كعازف إيقاع لعدد من الفنانين ، وهناك تعرف بالكثير من شعرائها وفنانيها وإعلاميين من امثال الشاعر لطفي جعفر امان ، والفنان أحمد بن أحمد قاسم ومحمد سعد عبد الله ، ومحمد مرشد ناجي ، والشاعر والإعلامي فضل النقيب وغيرهم .
قدم أبوبكر نفسه على الصعيد الفني من خلال الحفلات الموسمية التي كانت تُقام في عدن ، وحقق نجاحا باهرا ليفتح له الحظ أبوابه وتعرض حفلاته مسجلة ومباشرة في تلفزيون عدن ، ثم الإذاعة التي بشرت بقدوم موهبة غير عادية..
من أوائل اغاني أبو بكر سالم ” ياورد ماحلى جمالك ” من كلماته وألحانه ، وسجلها في اذاعه عدن عام 1956 م ، والتي غناها بعد ذلك الفنان السعودي الكبير طلال مداح .
الفنان الكبير أبو بكر سالم بلفقيه متألقا في عز مجده وعطائه
ثم بدأ بتأليف بعض الأغاني كلمات ولحنًا ، ومنها أغنية ( لما ألاقي الحبيب ) التي غناها لإذاعة عدن عام 1376 هـ/ 1956 م، بمصاحبة عازف العود الفنان ( أنور أحمد قاسم ) ، فلاقت شهرة واسعة، ثم قدمه الفنان محمد مرشد ناجي في حفلة عرس في مدينة عدن ، فغنى فيها ، وزادت شهرته ، مما دفعه إلى تأليف عدد من الأغاني ، مثل : ( ياورد محلا جمالك ) التي غناها الفنان السعودي طلال المداح فيما بعد ، و ( خاف ربك ) ، و ( ياحبيبي ياخفيف الروح) ، و ( سهران ليلي طويل ) ، كما لحّن وغنى عددًا من القصائد الفصحى مثل ( اسكني ياجراح ) للشاعر التونسي ( أبي القاسم الشابي ) ، و ( ليلة شعّت لنا بالنور ) ، و ( أقبلت تمشي رويدًا ) .
ولم يلبث أن تعلم العزف بعد ذلك على آلة العود ، وقد التقى في هذه المرحلة بكل من الشاعرين : (لطفي جعفر أمان ) ، و (حسين أبي بكر المحضار ) ، فغنى للأول ( وصفوا لي الحب ) ، و ( كانت لنا أيام ) ، و ( أعيش لك ) ، وغنى للثاني ( ليلة في الطويل )، و ( خذ من الهاشمي )، و ( تمنيت للحب ) ، كما غنى في هذه الفترة عددًا من أغاني الدكتور ( محمد عبده غانم ) منها : ( قولوا له )، و ( قال لي باتوب )، و ( من علمك ياكحيل العين ) ومن أجمل أغانيه الرائعة الخالدة حتى اليوم ( أمي اليمن ) .
الشاعر اليمني الكبير حسين أبو بكر المحضار
وفي العام 1958 م غادر إلى بيروت وكانت اقامته شبه مستقره هناك في حي الروشه وسجلت معظم اعماله الفنية في تلك الحقبة هناك واستطاع من بيروت ان يوسع انتشاره إلى جميع أنحاء الوطن العربي إلا أنه غادر بيروت في العام 1975 م بسبب الحرب الاهلية هناك وعاد إلى وطنه واستقر في عدن مدة قصيرة وغادرها ليستقر بعدها في مدينة جدة، وبعد النجاح الذي حققه أبو بكر سالم بلفقيه في تلك الفترة بعد عام 1958 يكان ينبغي عليه ان شق طريقه وحيداً دون مساعدةٍ من أحد من اجل مزيدا من النجاح ومزيدا من الشهرة .
خرج أبوبكر سالم في اعماله الفنية عن الإطار المحلي إلى الإطار العربي حينما سافر إلى مدينة بيروت وقام بتسجيل عدد من أغانيه الجديدة، وأعاد تسجيل عدد من أغانيه الذي سبق تسجيلها لإذاعة عدن وتوزيعها موسيقيًّا ، وشارك في عدد من الحفلات في دول الخليج العربي ، وأشهر أغانية التي ظهرت في هذه الفترة ( 24 ساعة ) التي نال عليها الكاسيت الذهبي من إحدى شركات التوزيع الألمانية لتوزيعها أكثر من مليون نسخة من هذه الأغنية ، و ( الحلاوة كلها من فين ) وعدد من أغاني الشاعر ( أمان ) ، و( المحضار )، وظل يتنقل بين بيروت ومدينة عدن مدة، ثم هاجر عام 1387 هـ/ 1967 م إلى مدينة بيروت فاستقر فيها، وغنى له في هذه الفترة عدد من المطربين اللبنانيين، ومن أشهر أغانيه في هذه الفترة : ( كل شي إلا فراقك ياعدن )، و ( ياطائرة طيري على بندر عدن ) ، ثم انتقل إلى الكويت، فعاش فيها مدة، انتقل بعدها إلى مدينة الرياض، فاستقر فيها ، وغنى أغان كثيرة في المملكة من أهمها : ( يامسافر على الطائف )، و( إلا معك في الرياض )، و ( برج الرياض ) ، كما عنى للمملكة أغنيتة الوطنية الرائعة ، التي لازال صداها صداحا حتى اليوم( يابلادي واصلي ) .
على مدى خمسين عاما شكل أبوبكر سالم ثنائياً مميزاً مع الشاعر الراحل حسين المحضار والذي كان أعذب ما يكتبه يغنيه الفنان أبوبكر سالم الذي تألق هو الآخر وأبدع في غنائها. غنى لـ أبوبكر سالم الكثير من الفنانين العرب وعلى مدى العقود مثل نجاح سلام ونازك ووردة الجزائرية وطلال مداح وعبد الله الرويشد الذي يعتبره أبا فاضلا له. كما غنى أبوبكر سالم خلال مشواره الفني العديد من الأغاني والاناشيد الوطنبة الرائجة في وسائل الاعلام المسموعة والمرئية .
الفنان الكبير أبوبكر سالم بالفقيه في آخر ظهور إعلامي له
باحتفالات اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية 1438هجرية
جدير بالذكر فإن الفنان الكبير ابو بكر سالم بلفقيه لديه ديوان شعر قبل الطرب وهو ديوان يحتوي على القصائد التي كتبها طوال مشواره الفني والأدبي ، كما تميز الفنان أبوبكر سالم بالأداء الجميل والراقي في الأداء الغنائي مما جعله متربع على عرش الغناء أكثر من اربعة عقود من الزمن فان هذه المدة الطويلة كافيه بتقيمه فنيا كأفضل شخصيه غنائية في الجزيرة العربية .
كما تميز أيضا بذوق فني رفيع فالفنان أبوبكر سالم كان لديه ذوق فني فهو يختار ما يغنيه ويؤلف ما يناسبه ويلحن لنفسه ولغيره ويعطي بعضا من الفنانين شيئا من اغانيه متى احس ان احدا من هولاء سيتقن ادائها .
ولقد حاز فناننا الراحل أبو بكر سالم بلفقيه رحمه الله على العديد من الأوسمة والتكريمات الفنية، ومنها “الكاسيت الذهبي” من إحدى شركات التوزيع الألمانية، وجائزة منظمة “اليونسكو”، كـ “ثاني أفضل صوت في العالم” والدكتوراه الفخرية من جامعة حضر موت .
كما تم تكريمه في عدد من الدول الخليجية ، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة حيث أهداه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيانرحمه الله سيفا من الذهب الخالص .
وداعا … أبو أصيل
تعازينا الحارة لكافة أسرة الفقيد الكبير أبو بكر سالم بلفقيه وفي مقدمتهم إبنه الفنان أصيل أبو بكر
والى كافة عشاقه ومحبيه والى كل عشاق الفن والمبدعين في عالمنا العربي
سائلين الله أن يرحمه بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته وإنا لله وإنا اليه راجعون .