خمس هجرات رسمت ملامح الاغتراب اليمني :
الهجرة والاغتراب شكلا مظهراً من مظاهر الوجود اليمني في الخارج
على مر التاريخ كانت الهجرة ظاهرة اساسية من ظواهر المجتمع اليمني ويتفق الكثير من الباحثين ان اول هجرة يمنية كانت في 2000 قبل الميلاد ولكن لا يوجد ما يؤكد ذلك ويمكن الاشارة الى ان اليمن مرت بخمس موجات عظمى للهجرة.
الاولى: في الالف السادس قبل الميلاد وهي هجرة العبرانيين الى الشمال بحثاً عن المراعي الخصبة.
الثانية: كانت في القرن الخامس الميلادي بسبب انهيار سد مأرب.
الثالثة: في القرن السابع الميلادي نتيجة الفتوحات الاسلامية.
الرابعة: بدأت عام 1839م مع احتلال عدن وانهزام القوارب الشراعية امام البوارج المتطورة من مصانع الثورة الصناعية في اوروبا.
الخامسة: بدأت في السبعينات بسبب الطفرة النفطية في دول الخليج وفشل جهود التنمية المحلية في اليمن.
اشتهرت اليمن بهجرة سكانها ومنذ فترة طويلة موغلة في القدم لقد هاجر اليمنيون قبل الاسلام الى مصر وشمال الجزيرة العربية وبلاد الحبشة وخرج اليمنيون في عهد الاسلام الى العديد من البلدان وضمن جيوش الفتوحات الاسلامية وكانت مشاركتهم بافواج جماعية يتقدمهم زعماء العشائر استوطن الكثير منهم في الاقاليم التي فتحتها الجيوش الاسلامية من مصر وحتى بلاد الاندلس.
وتواصلت موجات الهجرة اليمنية الى الخارج في كل حقب ومراحل التاريخ اليمني وحتى العصر الراهن وشملت الهجرة اليمنية الحديثة والمعاصرة الكثير من مناطق العالم كالجزر في الشرق الاقصى والهند واندونيسيا والحبشة وشرق افريقيا مروراً ببعض البلدان العربية كالسعودية والسودان ودول الخليج العربي وصولاً الى المملكة المتحدة والولايات المتحدة الامريكية وكندا.
ان عوامل الهجرة عديدة واهمها ما يلي:
1- الظروف الاقتصادية اي البحث عن لقمة العيش لكون الظروف الاقتصادية دافعا اساسيا اثناء الحروب الاهلية والمجاعات وحدوث الكوارث الطبيعية.
2- نشر الدين الاسلامي كما هو الحال في دول شرق آسيا اندونيسيا سنغافورة.
3- طلب العلم والمعرفة.
4- الخوف من الاخذ بالثأر.
اهم الهجرات والاغتراب اليمني:
تشير كثير من الابحاث الدراسية المحلية والعربية والعالمية بان اليمن من اقدم اهل الارض على الهجرة والاغتراب والضرب في الآفاق وكذا وصفوا خليفو الاسفار بانهم راكبو الاخطار كما ان هجراتهم نسيج خاص واسع الآفاق بعيدة المدى ولها خصوصياتها وبانهم نقلوا حضارتهم اينما حلوا لدرجة ان البعض قال: ان الحضارة العربية يمنية الاصل وان الهجرة اليمنية هي ام الهجرات ومنها انتشار الجنس البشري السامي بصفة خاصة (بحسب ما ورد في كتاب الهجرة اليمنية) للكاتب محمد بامطرف، وفي هذا السياق نستعرض اهم الهجرات والاغتراب اليمنية التي نتناولها على النحو التالي:
الهجرة اليمنية من اليمن الى شرق آسيا، افريقيا، اوروبا، وعربياً..
أ- هجرة ابناء محافظة حضرموت الى جنوب شرق آسيا:
لقد خرجت من حضرموت الكثير من الهجرات الجماعية والفردية وكانت اكثر وضوحاً وتأثيراً في داخل الوطن اليمني وخارجه في القرون الثلاثة الاخيرة من عصرنا الراهن واتجهت موجة هجرتها الى اكثر من مكان في العالم ولكنها تركزت في جزر الشرق الاقصى والهند وشرق افريقيا وكذا في المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي خاصة مع بدء عصر الثروة النفطية ونود الاشارة الى هذه الهجرة الحضرمية ارتبطت بعدة اسباب منها:
– ارتباط هذه الهجرة بنشر الاسلام في بعض مناطق آسيا مثل سنغافورة اندونيسيا والفلبين وحيدر اباد.
– العمل في التجارة في بلدان المهجر كما هو الحال في اندونيسيا، سنغافورة، السعودية، فقد برز في تلك الدول اثرياء كبار ورجال اعمال من أصول يمنية ممن اتاحت لهم تلك الدول فرص العمل والتجارة والإستثمار .
– العامل الاقتصادي فان حضرموت ذات مناخ صحراوي في معظم اوقات العالم فغالباً ما تصاب بالجفاف الذي يقضي على الزرع ويجف له الضرع واحياناً تتعرض للفيضانات والسيول المخربة للسدود والجارفة للمحاصيل الزراعية اضافة الى ضيق العيش الناتجة عن هذه الظروف.
– اضطراب الامن وحلول النكبات الناشئة عن الحروب الاهلية بين حكام حضرموت احياناً او بين عشائرها وقبائلها انتشار ظاهرة الاخذ بالثأر في الحقب الماضية.
– كانت هجرة طائفة كبيرة منهم لعدم وجود متسع لطموحاتهم في داخل الوطن عموما نتيجة الفقر الذي يعم الوطن اليمني كله بالاضافة الى اعتبار الهجرة لديهم مظهراً من مظاهر الوجاهة الاجتماعية التي وجودها ماثلة في من سبقهم من المهاجرين الذين حققوا هذه الوجاهة المقرونة بجمعهم الثروات الكبيرة.
تشير الابحاث الى ان الحضارم كغيرهم من ابناء اليمن قد عرفوا الهجرة عن الوطن من حقب موغلة في القدم وترجع الى نحو اربعة آلاف سنة واستمرت الهجرة في فجر الاسلام ومع الفتوحات الاسلامية وهاجروا الى بلاد الاندلس ومن سلالتهم العلامة عبدالرحمن بن خلدون.
وهاجروا الى مصر والعراق والشام والى سواحل افريقيا الشرقية زنجبار الصومال الحبشة كينيا جزر القمر ولهم هجرات الى استراليا لبناء نشاط اقتصادي واجتماعي.
كما ان هناك هجرة الى الهند في القرن السابع للهجرة حتى اوائل القرن الرابع عشر وانطلقت الى جزر الهند الشرقية الملايو، اندونيسيا، الفلبين، سنغافورة.
وكان من نتائج الهجرة الى تلك الدول تملكهم زمام التجارة وانشاء المدارس ودور الايتام والمطابع والصحف العديدة باللهجة الدارجة والفصحى وحافظوا على ثقافتهم وتراثهم الفكري وتعليم ابنائهم الثقافة العربية الاسلامية وحتى تقاليدهم الخاصة.
ب- الهجرة والاغتراب نحو بحر الشمال وامريكا وافريقيا:
فقد كان لابناء المنطقة الوسطى إب، عتمة، شمير، وكذلك ابناء محافظات تعز والضالع والشعيب ويافع دوراً في الهجرة من خلال هجرات فردية او جماعية تحمل نفس الاسباب والدواعي التي سبق ان اسلفناها في الهجرة والاغتراب لابناء حضرموت ومع احتلال الاستعمار البريطاني البوابة الجنوبية لليمن عدن التي اصبحت نافذة للعالم الخارجي للاغتراب املاً في التخلص من الفقر والحرمان وهروباً من جور الحكم وظلام التخلف الذي يخيم على ارض الوطن اليمني وهكذا وجد ابناء اليمن من تلك المناطق اصراراً على الهجرة والذهاب الى المجهول سعياً وراء لقمة العيش وهروباً من حالة الفاقة التي اتسع محيطها في القرى والنواحي اليمنية.
لذلك يتم اولاً الخروج الى مدينة عدن او الولوج الى جيبوتي ولكن الاقرب عدن كونها توفر فرص الهجرة اكثر من غيرها ومع اشتداد واعلان الحرب العالمية فكان الاتجاه الاول العمل في المراكب التي ستوفر لهم ملجأ اساسياً للعمل ومنها الانتقال الي اوروبا، استمر العمل في المراكب اثناء الحرب وكان الاقبال على الايادي العاملة اليمنية الرخيصة كبير كونها تعمل ضمن برنامج الحرب من خلال تزويد الجنود بالمعدات والذخيرة والمؤن بالاضافة الى تزويد البواخر بالوقود مثل: الفحم الحجري وغيرها كونها الطاقة المستخدمة لتلك المرحلة.
فمنهم من استمر ضمن بوارج وبواخر الحلفاء ومنهم من استقر في المدن الاوروبية برمنجهام، شفيلد، كاردف، وغيرها للعمل ضمن مصانع الاسلحة ومصانع الحديد ومصانع السيارات حيث كان يعمل فيها اليمنيون بعضهم منذ عام 1910م والآخرين منذ العشرينات وبعضهم منذ الثلاثينات يعملون اما في البحر او في المطاعم ومحلات النوم التي فتحت للمقاومين من خارج اوروبا وهناك التقى اهل الشعر والعود وبعدان واهل الصايدي وابناء العدين والاعروق.. وغيرهم.
ومع نشوب الحربين الاولى والثانية التي اشعلتا حركة الانتاج للمصانع والسفن لخدمة الحرب إلا انها كانت اهدف معرضة لنيران الحرب نجد ان المغتربين اليمنيين كانوا شركاء المقاتلين من دول المحور والحلفاء لانهم كانوا عمال في المواقع فلم ترعبهم الحرب ولا براكين اللهب فذهب منهم آلاف الشهداء والجرحى في البر والبحر وهناك نصبا لشهداء الحرب اليمنيين موجود في مدينة ليفربول البريطانية.
في حين ان بعض الابحاث تشير الى ان صراعا ادى الى افراغ اليمن من اهله تدريجيا عبر الهجرة الهادئة والقاسية في محيطها المتصحر وعبر الكوارث الطبيعية وتخريب قنوات الري او عبر انهيار تجمعاتها السكانية وتفريقها نتيجة قتالها الداخلي مما ادى الى زيادة الهجرة الجماعية لليمنيين ما بين 1917- 1918م نتيجة للحاجة للايادي العاملة الى الاتجاه الافريقي وبالذات الى السودان والحبشة وكينيا من اجل بناء السكة الحديدية وبناء خزانات المياه على مسار النيل وقد شكل العمال اليمنيون 55٪ من اجمالي العاملين كما ان الهجرة اليمنية اخذت في الازدياد باتجاه شرق افريقيا هربا من محنة الحرب اليمنية العثمانية وصراع اليمن والادارسة فقد رأى الانجليز ان يستعيضوا بالاخشاب بدلا من الفحم الحجري كوقود لجر القاطرات بالبحار فاوعزوا الى الهمداني باستيراد العمالة اليمنية من الحديدة الى بور سودان ينتقلون بعدها الى مواقع العمل في شرق افريقيا والجدير بالذكر كان الرواد الاوائل للهجرة مع بداية القرن العشرين ينحدرون من منطقة شمير مقبنة محافظة تعز وقد عملوا في السفن التجارية والحربية البريطانية حتى ان المعلومات تؤكد استشهاد الكثير منهم في الحربين العالمية الاولى والثانية وهي تعتبر من اقدم الهجرات العربية والاسلامية الى بريطانيا وفي فترات لاحقه من الخمسينات بدأ استقرارهم في مدن الموانئ في مهمة تتعلق بأحواض السفن او عمالا في المصانع لمدن (مانشستر، ليفربول، برمنجهام).
الهجرة والاغتراب نحو مناطق النفط والغاز:
اتسعت الهجرة اليمنية بشكل كبير في ظل النظام الامامي والذي كان قائماً على اساس العلاقات الاقطاعية الاستبدادية وعلى الاضطهاد والبطش والتنكيل وممارسة سياسة الانغلاق حيث بدأت ظاهرة الهجرة اخذ منحنى جديد الى دول الخليج العربي والسعودية وذلك مع بداية اكتشاف النفط.. فالنفط بآثاره وانعكاساته الواسعة حول تيار الهجرة اليمنية من طابعها العالمي الى اقليمي اي لصالح الدول الخليجية.
واكدت اغلب الابحاث والدراسات التي قام بها الباحثون عن الهجرة اليمنية انه كانت هناك خصائص محدودة للمهاجرين اليمنيين الى الخارج من الهجرات السابقة حيث كان الغالب على المهاجرين بانهم ريفيون غير ماهرين وصغار سن غير متزوجين وفي اشارة الى البيانات الصادرة في السبعينات تحدثت ان المغتربين من اليمن يتركزون في مناطق اساسية في العالم هي: السعودية، بريطانيا، امريكا، وينتشرون بسبب اقل في البلاد العربية والافريقية الاخرى.
واشارت نتائج العينة لتوزيع المغتربين اليمنيين الى انه يقيم في السعودية 61٪ من مجموع المهاجرين ويقيم في بريطانيا 16٪ وفي الولايات المتحدة الامريكية 22٪ اما في الدول العربية والافريقية فيقيم فيها بحدود 2٪ وكل هذه البيانات بحسب اعوام 1970م وفي دراسة خاصة لاشكال الهجرة في الشرق الاوسط اكدت ان اليمن كانت من اكبر الدول المصدرة للايادي العاملة بالنسبة لعدد سكانها في العالم.
وبسبب هذه الهجرة التي كانت متاحة فانها ادت الى النقص في الايادي العاملة الزراعية.وفي الختام فان الهجرة والاغتراب في حياة اليمنيين كانت ومازالت تشكل مظهراً من مظاهر الوجود اليمني خارج الوطن حتى يكاد الالتصاق بينهما يشكلان صنوان لا تنفصم عراهما العوامل والاسباب حتى تراكمت على مر التاريخ والازمان.
من كتاب”المغتربون ” الصادر عن مجلس الشورى .
جريدة 26 سبتمبر