دنيا المغتربين : خاص : حوار: هدباء يزيد اليزيدي : لأن صناعة العود مهارة وليست تجارة ولأنها إبداع وليست إنتاج فدعونا نبحر سويا مع صومعة الفنان علاء أنور غلام (صانع العود ) ، الشاب الذي ولد في العاصمة صومعة 1991م، ويحمل دبلوم أعمال إدارية، وينحدر من أسرة تعشق الفنون وتتنفس الإبداع منذ زمن بعيد .
فجده لأبيه الأستاذ غلام رحمه الله كان أستاذ آلة ( الهرمونيا ) وعازفاً مبدعاً ومعلماً لهذه الآلة (الهندية) ، ذات النكهة الشرقية في الموسيقى ، تتلمذ على يديه الكثير من فناني حضرموت ، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي .
أما ولداه فالفنان التشكيلي المبدع ، والمعروف الأستاذ : أنور غلام – حفظه الله – الذي كان عاشقاً لآلة العود ، ويمارس هواية العزف عليها بين حين وآخر ، إلى جانب العديد من الآلات الموسيقية الأخرى .
ويأتي شقيقه الأكبر ( معين ) رحمه الله تعالى ، الذي كان أحد مبدعي العزف على هذه الآلة وتتلمذ على يد والده ، الأستاذ أنور غلام ، وبرز كثيراً في ساحات الغناء والطرب في حضرموت حتى رحيله يرحمه الله .
وعندما هممنا بنثر أسئلة حوارنا مع هذا الشاب (صانع العود الحضرمي) ، وجدناه في (صومعته الفنية) ، يداعب أعواد الخشب ، ويلامسها برقة ، فبادرناه بسؤال عن حكايته مع آلة العود ، فأجاب : – صوت العود يرن على مسامعي منذ طفولتي المبكرة وما أن بلغت سن الخامسة عشر حتى قام والدي – يحفظه الله – بتعليمي العزف على هذه الآلة، فلعلي أخذت أساسيات العزف وبعض الجمل الموسيقية آنذاك، ثم تركت العود فترة من الزمن . – معنى ذلك إنك كبرت والعود بين يديك وحولك في كل أرجاء المنزل؟ . – بالتأكيد كان العود له وجود في بيتنا نستمتع بعذوبة صوته ، ورناته على مسامعنا إلى أن أتى أمر الله عزّ وجل وتوفي أخي (معين) يرحمه الله ، يومها أحسست إن صوت العود انقطع تماماً. – هذا الرحيل المبكر لأخيك الأكبر ( معين ) ،جعلك تنطوي على نفسك ، أو دفعك إلى الاقتراب أكثر من هذه الآلة البديعة؟ . – لقد اتجهت – فعلاً – إلى العزف على آلة العود واشتياقي على فراق أخي يسبقني واشتياق البيت لصوت العود يزداد ، هذه اللحظة دفعتني بقوة للالتفاف إلى العود عزفاً ،بداية لكسب الخبرة أكثر من والدي حفظه الله ، الذي لديه الكثير من المهارات ، والقدرات والخبرات ، إضافة إلى الاستماع إلى تسجيلات أخي ( معين ) يرحمه الله ، ولكنني وجدت نفسي لم اصل إلى براعته في العزف، فتراجعت عن العزف، ولكن طموحي لم يتوقف إذ وجدت نفسي أفكر في صناعة العود، هذه الآلة الجميلة ، كون بلادنا عامة ، وحضرموت خاصة تفتقد لهذه الصناعة، ومن هنا بدأت الخطوة الأولى في صناعة العود .
– كيف تلمست طريقك إلى صناعة العود ؟ . – البداية لم تكن سهلة، بل مضنية وصعبة ومتعبة، ولكنني وجدت نفسي مصراً على متابعتها لصناعة العود، وقد شجعني والدي وكثيراً ما كنت استشيره واكتسب المعلومات منه، إضافة إلى التعرف على بعض صنّاع العود من خارج الوطن، وقد عملت جاهداً حتى توّج عملي وجهدي وتعبي بصناعة أول عود . – كيف وجدت المحاولة الأولى ؟ . – في هذه المحاولة لم أكن أفكر في صوت العود ونغم الأوتار، وإنما اهتممت بالشكل والمقياس الصحيح . – وبعد المحاولة الأولى؟ . – سنحت لي فرصة السفر إلى الخارج، فاستفدت منها واكتسبت خبرات واسعة في هذا المجال، ومن ثمّ عدت إلى حضرموت وعملت في صناعة الأعواد بكل حبّ واتقان، والبعض من الفنانين امتلك أعواد من صناعتي وكذلك بعض العازفين حتى من خارج الوطن .
– كيف تتم هذه الصناعة ؟. – صناعة العود تتم وفق مقاييس معينة ودقيقة جداً ومن خلال أنواع معينة من الأخشاب أقوم باستيرادها من الخارج ، وخطوات صناعة العود ليست سهلة كما كنت اعتقد ، وتحتاج إلى صبر ودقة عالية بالمقاييس ، فصناعة العود مهارة ، وليست تجارة، فالعود الواحد يحتاج تجهيزه إلى شهر كامل لكي يكون بالمستوى المطلوب، ولم أزل أقم بهذه الهواية لأكثر من عامين ونصف ، انتجت خلالها واحداً وخمسين عوداً ، والحمد لله إصراري ، وطموحي ، وصلني إلى هدفي ومبتغاي .
– ما هي الصعوبات التي تقف حائلة دون استمرار هذه الصناعة وتوسعها ؟ . – هناك صعوبات كثيرة، أهمها عدم توفر أدوات هذه الصناعة والأخشاب التي تصنع منها فنضطر إلى الاستيراد . – كيف ترى المستقبل لك ولهذه الهواية والمهنة ؟ . – أنا أسير بخطى ثابتة وقد وجدت في ممارسة هذه الهواية والمهنة الكثير من طموحاتي التي أسعى يوماً بعد يوم إلى تحقيقيها، وإذا كان هناك من حلم في المستقبل فيتمثل في رغبتي الشديدة في توسيع دائرة عملي ونشاطي وإنتاجي والانتشار في داخل حضرموت وخارجها، وأتمنى أن أوفق في تأسيس ورشة إنتاجية كبرى لهذه الآلة التي أعشقها وأجد فيها الكثير من الراحة وأنا أقوم بتصنيعها حتى عندما اتعرض لبعض الاصابات والجروح لدقة العمل وخطورة استخدام الآلات الحادة في التقطيع ، والنقش إلا أنني أجد متعة في أنجاز وتصنيع أعواد حضرموت .
– كلمة أخيرة تود قولها ؟ . – كل الشكر ، والتقدير لك على هذه الاستضافة ، والحب والامتنان لوالدي العزيز – حفظه الله – فهو من شجعني كثيرا ،وهو الداعم الوحيد لي ، وأبضاً الشكر والتقدير إلى إخواني وأساتذتي الفنانين والعازفين الذين وقفوا إلى جانبي وتشجيعهم لي ،وهذا يشرّفني ويشرف حضرموت، وأسعد كثيراً بأنني صانع أعواد حضرموت بكل فخر واعتزاز .