دنيا المغتربين : عبد الرحمن بشر : كتب أ . د. محمد بن أحمد السعيدي ، وهو من الكوادر اليمنية المبدعة والمبرزة في بلاد المهجر ، ويعيش حاليا في مملكة ماليزيا الشقيقة موضوعا رائعا وشيقا عن النهضة العربية والتي بداءها بالوصف خطوة الألف ميل .
وقال : مع تزايد الفجوة الحضارية بيننا وبين الدول المتقدمة تزداد الحيرة لدى المواطن العربي ، فمن حيث الموارد لدينا منها ما يفوق ما لدى الكثير من البلدان المتقدمة . فمساحة اليابان ثالث أكبر اقتصاد بالعالم اقل من ثلثي مساحة إحدى الدول العربية الصغيرة كاليمن على سبيل المثال ، حيث مساحة اليابان تبلغ فقط (377) كيلو متر مربع ، وتفتقر للموارد الطبيعية حيث تستورد المواد الخام والنفط بكل مكوناته وتؤوي حوالي (126) مليون مواطن يتمتعون بأعلى مستوى معيشة ودخل ورفاه على مستوى العالم . بالمقارنة مع اليمن بمساحة (528) كيلو متر مربع يعيش فيها فقط (30)مليون مواطن يعيشون حياة الفقر والبؤس والمرض والعوز ، وتعد من أفقر دول العالم ، رغم أن سكانها من أذكى واقدر سكان العالم بشهادة الغرب والشرق وقبلهم علماء الحضارة على مر التاريخ .
وعلى حد تعبير استاذ فاضل ورئيس جامعة ماليزية مرموقة في اجتماع رسمي مؤخرا في معرض ترحيبه بي أنتهزها فرصه للتعبير عن مشاعره نحو أهل اليمن قائلاً اليمن ما تخاف علية، اي واحد منا ينوي السفر يتوجب عليه توفير الكثير من المال للإنفاق اثناء رحلته بينما المواطن اليمني لا يحتاج لهذا العناء فلديه القدرة على خلق المال اثناء سفرة مهما صعبت الظروف . طبعا أيده الحاضرين بتلقائية وكأنه أمر مسلم به وهم من جنسيتين مختلفتين .
واهم من كل ذلك شهادة سيد الخلق وخاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين وصفهم بخيار أهل الأرض ، وغيرها من الأوصاف التي تفضل بها صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث شريفة . هذا فضلاً لما تزخر به ارض اليمن من ثروات ، و موارد طبيعية ، وموقعها الجغرافي و……الخ .
فكيف بنا لو نظرنا لما يتوفر لدى الدول العربية مجتمعة من قدرات بشرية ، وثروات في باطن الأرض وغيرها من الموارد الطبيعية والممرات المائية و…..الخ .
فمنذ أن أيقظت شعوبنا مدافع الغرب المتقدم مع نهاية القرن التاسع عشر ، وبداية القرن العشرين ، حتى استيقظ الماضي لدى شعوبنا التي تملكها شعور جارف بالفوات الحضاري وتنامى ووعي اللحظة الحضارية الفارق ، ومن الذهول من الواقع الجديد ، غير المتطابق مع امتدادنا التاريخي .
وبينما انخرط الصفوة من المثقفين المجددين ، أمثال محمد عبده والافغاني ومالك بن نبي والحجوي وغيرهم بعمليه مرهقه من أعمال الفكر في صراع مرير ، للتصدي لحالة الفوات الحضاري هذه مسكونا بهاجس حل الاشكال مع التراث وبين الانا والآخر في محاولات متناثرة لتلمس الطريق الاقصر لجسر الفجوة الحضارية بأحداث ما يسمى بالصحوة أو النهضة بينما هم منهمكين في اعمال الفكر ، نهجت الحكومات ما اعتبرته نهجا سريعا وبسيطا يمكنها من اللحاق بالركب فاستوردت المصانع والآلات والمعدات والخبراء ، بل والعمال في كثير من الحالات كما أرسلوا البعثات الدراسية إلى الدول المتقدمة وعقدوا الندوات والمؤتمرات العلمية والتدريبية و…..الخ .
الا ان كل ذلك ذهب هباء ، وما كان يسمى بالفجوة الحضارية بيننا وبين الدول المتقدمة ازداد اتساعا حتى بلغ ما يشبه الهوه السحيقة ،تجاوزها بات أكثر تعقيدا وصعوبة وصار ة بلداننا تراوح في مكان اقرب ما يكون الحال في أوروبا ما قبل عصر الأنوار وهو ما سمي بالعصور الوسطى .
فقد كانوا يخطوا خطوات سرعان ما تتعثر ، لأنه كان مسير يفتقد للقوة الفكرية الدافعة ، أو من دون هدى ومن دون خطة أو غاية محدده وواضحة المعالم .
وبالتالي فقد استمرت أوروبا بالتخبط في براثن التخلف ، حتى جاء أولئك العلماء أو المفكرون الذين حظيت بهم اوروبا وقرروا في أذهان الناس أن الحياه لا تجري عبثا ، بل تسير وفق قوانين ونظم دقيقة ومحدده ، وان التقدم ضرورة لابد منها ، وان الفكر الحر هو اساس التقدم الحضاري كله .
وبهذه الأفكار قاد رجال الفكر ماسمي فيما بعد بعصر التنوير او الانوار . فقد كان السؤال الذي يتبادر إلى أذهان أولئك العلماء العظام هو : ماذا نعمل اليوم لكي يكون مستقبل الحضارة الإنسانية خير من حاضرها وأمسها ؟؟ اي انهم كانوا معنين بالمستقبل او انهم نبهوا الأوروبيين لضرورة أن تكون الغاية من كل عمل او تصرف راهن هو خدمة المستقبل ليكون افضل .
وحتى نتجاوز هذه المحنة يتوجب علينا العمل على وجه السرعة باتجاه التحام الجهد الفكري بعد توحيده بشكل تيار متناغم ومنتظم نحو المستقبل بدلا عن حالة الشتات و الانزواء و التنافر او التضاد الذي يعيشه ، التحامه مع الجهود العملية التي تقوم بها الحكومات .
ذلك يتأتى فقط عبر مجانبة التعصب السياسي لدى بعض عمالقة الفكر و توحيد جهودهم جميعا في بوتقة واحدة مع الحكومات العربية في اطار واحد يعزز بإنشاء مركز يمكن تسميته (بمركز دراسات النهضة) ، تحت مظلة الجامعة العربية ، تساهم بتمويله كل الدول العربية ، بحسب إمكانات كل منها بالإضافة إلى جزء من أموال الزكاة والتبرعات من القطاع الخاص .
بالنسبة للمقر فان المكان المناسب كمقر للمركز أن يتم إنشائه في سلطنة عمان ، حيث يتوفر فيها مقومات نجاحه :فهي تتمتع بالاستقرار والأمن وعلى علاقات ممتازة مع كل الدول وتتوفر على بيئة ثقافيه مناسبة . وفوق كل ذلك ، فإن جلالة السلطان هيثم بن طارق أل سعيد حفظة الله ورعاه يعتبر قائد ، أو رائد الثقافة والفكر العربي بما يملك من خبره طويله كوزير للتراث و الثقافة سابقا ، كما كان رئيس اللجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية ” عمان 2040 ” . وكلي ثقة بأنه سيكون خير راعي لمثل هذا المشروع العظيم .
أ.د محمد أحمد السعيدي
ماليزيا
شبكة
دنيا المغتربين الإعلامية
نتابع
نرصد
نوثق
ننشر