الجاليات اليمنية بجنوب شرقي آسيا
بقلم: يونس محمد عمر الشبلي
يقدر عدد الجاليات اليمنية بجنوب شرقي آسيا حاليا نحو ستـــــــة ملايين يمني ففي إندونيسيا وحدها نحو خمسة ملايين يمني وفي كل من ماليزيا وسنغافورة وبروني وجنوب تايلند وجنوب فلبين نحو 1 مليون يمني (90% منهم من أبناء حضرموت والباقون من شبوة ويافع وغيرهما)؛ فمن أبناء حبان فقط بالآلاف, وقد أعتنق سكان تلك البلدان الدين الإسلامي بفضل أخلاق أجدادنا المهاجرين؛ حيث بنوا المساجد والمدارس وساعدوا الفقراء والمحتاجين فكسبوا ثقة سكانها الأصليين فدخلوا في دين الله أفواجا؛ ويتولى بعض أبناء الجاليات اليمنية مناصب رفيعة في حكومتي إندونيسيا وماليزيا؛ علما أن سلطان بروني من أب حضرمي وأم ماليزية.
إن أرخبيل إندونيسيا يضم نحو ثلاثة آلاف جزيرة أهمها جزيرة جاوا التي تقع فيها العاصمة جاكرتا؛ حيث أن سكان إندونيسيا البالغ عددهم 220مليون نسمة يعيش نصفهم على هذه الجزيرة, والعجيب أن معظم تلك الجزر أعتنق سكانها الدين الإسلامي بينما جزيرة بالي المجاورة لجزيرة جاوا لم يتمكن أجدادنا من نشر الإسلام فيها, وما زالوا على وثنيتهم, يعود السبب إلى أن فتيات ونساء جزيرة بالي عاريات الصدور تماما كما خلقهن الله حتى الستينات من القرن الماضي عندما تدفق إليها السواح من أرجاء المعمورة, فكل من يصل إليها لنشر الإسلام عادوا من حيث انطلقوا وهي جزيرة جاوا خشية إفساد عقيدتهم بسبب المناظر الخليعة المثيرة للشهوة الحيوانية.
لقد هاجر جدي عبد القادر محمد الشلبي(أب الأم) إلى إندونيسيا وأستقر بجزيرة جاوا وهو أحد المؤسسين الأربعة لمدارس الإرشاد المنتشرة بالمدن الرئيسية ذات الجاليات اليمنية الكثيفة كمدينة سورا بايا أكبر مدن إندونيسيا بعد عاصمتها جاكرتا (مسقط رأس الأديب اليمني الشهير علي أحمد با كثير مؤلف كتاب وا إسلاماه), ومدينة جوكجاتارنا ومدينة صولو ومدينة فكالونغان (مسقط رأسي)؛ لقد ولدت في منزل جدي عبدالقادر بتاريخ 8/12/1941م. بمدينة فكالونغان ونشأت وترعرعت في أحضانه حتى بلغت التاسعة من عمري حين أخذني والدي مع والدتي إلى مقر عمله وإقامته سنغافورة, كان جدي رحمه الله شديد الحرص على التقاليد العربية الأصيلة وحظر علينا التحدث في البيت بغير اللغة العربية, لقد تلقيت دراستي بمدرسة الإرشاد التي أسسها جدي, كما هاجر جدي عمر بن محمد الشبلي (أب الأب) إلى سنغافورة وأستقر فيها. وعند زيارته لحبان أنشأ أول مدرسة بمديرية حبان وبناء مسجدا قام ببعض الأعمال الخيرية الأخرى.
أثناء الاحتلال الياباني لأندونيسيا
أثناء الاحتلال الياباني لإندونيسيا أعدم الكثير من المهاجرين اليمنيين أمام نسائهم وأطفالهم لاسيما بالميدان الرئيسي في مدينة مديون بتهمة المشاركة في القتال جنبا إلى جنب مع الثوار الإندونيسيين.
ولقد أخبرني جدي عبد القادر روايته حين أعتقل وقُيد يديه وهو معصوب العينين وسيق إلى ساحة الإعدام بالميدان الرئيسي في مدينة فكالونغان لكن شاء القدر أن ينقذ حياته حين قدم صديقه(مهاجر يمني من أبناء حضرموت) إلى ساحة الإعدام(لا يحضرني اسمه ولكني أظنه من آل با وزير) وكان يجيد التحدث باللغة اليابانية قليلا فأخبر قائد فرقة الإعدام بأنه برئ ولم يشارك في القتال وبعد التأكد من صحة المعلومات أطلقوا سراحه, لاحظته والدموع تتساقط من عينيه حين قص لي تلك الرواية.
مكثت مع والدتي في سنغافورة قرابة أربع سنوات أي من عام 50م, حتى عام 54م. ثم انتقلنا إلى عدن في صيف تلك السنة وكان والدي قد سبقنا إلى عدن بسنة واحدة عُقب عودته مباشرة من أداء فريضة الحج فقام بإنشاء محلاً تجارياً باسم سمريندا (بميدان كريتر) وبعد سنوات قليلة فتح محلين آخرين بشارع مدرم وشارع الزعفران ومصنعا للأثاث المنزلي والمكتبي بالمعلا جوار السوق المركزي لكنه عقب الاستقلال أممت ممتلكاته فأصيب بالشلل النصفي وفقد القدرة على النطق من جراء تحوله المفاجئ من الغني إلى الفقير فمات قهرا بعد مرض دام 15سنة ولم يترك لنا شيئا نحن أبناءه الثلاثة سوى تلك الأراضي المؤممة بدار سعد عدن (ولا ندري أين بقية الوثائق لأننا كنا في المهجر), هكذا أصبحنا مُعدمين لا نملك شيئا ولم نتمكن من استرجاع الأراضي المؤممة التي وجدنا وثائقها لدى أحد الأقارب رغم صدور مذكرات بشأنها من وزارة الإسكان ورئاسة الوزراء ومجلس النواب ورئاسة الجمهورية.
عند هبوط الطائرة مطار عدن الدولي قادمة من سنغافورة صيف عام 1954م أمهلتني السلطات لمغادرة عدن خلال شهر واحد ولما سألت الوالد عن السبب أجاب قائلا إن محله التجاري هو كفيله للإقامة بعدن وبما إنني في جواز سفر مستقل عنه صادر من السفارة البريطانية بجاكرتا بموجب جواز سفر والدي صادر من سنغافورة(مستعمرة بريطانية سابقا) فلا يحق لي االإقامة معه في عدن بموجب القانون البريطاني, فأقترح أصدقاء والدي سفري إلى حبان لأن المناطق خارج عدن محميات بريطانيا وليست مستعمراتها, خلال وجودي بعدن زرت الملجأ المؤقت لذوي العائلات من لا مأوى لهم في عدن للعائدين القادمين من إندونيسيا (حاليا مقر جمعية الإصلاح الخيرية جوار شاطئ صيرة بكريتر) كان عدد الذين وصلوا من إندونيسيا وحدها يقدر بربع مليون عائد, لكنهم بعد الاستقلال عادوا من حيث أتوا وبعضهم توجهوا إلى الدول المجاورة بشبه الجزيرة العربية بسبب سؤ أحوال المعيشة وتأميم ممتلكاتهم في وطنهم الأم (اليمن).
مكثت في حبان قرابة سنتين من عام 1954م حتى عام1956م. ثم انتقلت إلى مصر لمواصلة دراستي, وفي حبان قمت بمساعدة المرحوم الأستاذ محمد الحداد (المدرس الوحيد بمدرسة الشهيد عمر محمد الشبلي) مبادئ اللغة الإنجليزية والرياضيات؛ ولقد التقيت ببعضا ممن درسوا لدينا في جدة وحبان لقد أصبحوا رجالاً وأخبروني أنهم من تلاميذي.
عقب العودة من السعودية
عقب عودتي مع أسرتي من السعودية عام 1990م, زرت حبان عدة مرات وفكرت بإنشاء مشروعين سياحيين بمنطقة الجول في حبان أحدهما لاستراحة المسافرين والآخر بركة للسباحة بحكم خبراتي المتواضعة السابقة في المجال السياحي حيث عملت بعدة فنادق كبيرة في جدة وزرت بعض الدول السياحية كتركيا واليونان وقبرص وغيرها, تقدر تكاليفهما نحو10ملايين ريال يمني(3ملايين ريال للاستراحة و7ملايين ريال للمسبح), والموقعان جاهزان ولم يبق سوى التمويل وأفضل أن أبداء أولا بالاستراحة, كان أملي أن أحصل على التعويض من الحكومة قيمة لأراضينا المؤممة بعدن لأتمكن من حصتي إقامة هذين المشروعين(على المراحل) وهما سيفيدان محافظة شبوة بشكل خاص واليمن بشكل عام