الوطن – د. أحمد العباسي* :
يحلم الكثيرون من اليمنيين وغيرهم من العرب ومواطني العالم الثالث بالإغتراب في الولايات المتحدة الأميريكية لما في هذا البلد من فرص عمل وظروف ملائمة لتحصيل لقمة العيش وكذا فرص التجنس والتمتع بالحقوق والأمتيازات التي لا يتمتع بها مواطنوا بلدان العالم الثالث بشكل عام ومنها اليمن.
ويعتبر المغتربون اليمنيون من إحدى الجاليات التي تتواجد بشكل كبير وملفت للأنظار في عدد من التجمعات الكبيرة في كل من نيويورك وميتشجن وكاليفورنيا، ورغم العدد الكبير للجالية اليمنية في هذا البلد إلا ان من عايش واقع الجالية اليمنية يدرك تماما انها لم تقم بدورها المأمول في تنظيم شؤونها وتحسين ظروف معيشتها من خلال الأندماج في المجتمع الأميريكي والتفاعل بشكل إيجابي مع مجمل الفعاليات الإجتماعية والثقافية والسياسية.
وهذا لا يعني أن الجاليه ليس لها درو يذكر في كل ماسبق ولكن لا زال هذا الدور محدودا وناشئا في بعض التجمعات للجالية اليمنية ومما يجدر ذكره هنا هو الجالية اليمنية في ولابة ميتشجن التي تحتضن عددا من أبناء المخلصين الذين يبذلون جهودا طيبة في النهوض بدور الجالية اليمنية من خلال إهتماهم بالقضايا التعليمية والإحتماعية والثقافية والسياسية، ورغم ان هذا الموضوع يتناول قضية المغتربين في الولايات المتخد الأميريكية بشكل عام إلا أن الحديث سيركز على وضع الجالية في ولاية كاليفورنيا وهو نفس الوضع تقريبا لكل أبناء الجالية في بقية الولايات.
الجالية اليمنية في كاليفورنيا وباقي الولايات
وما يؤسف له ان الجالية اليمنية في ولاية كاليفورنيا تعيش وضعا مأساويا إذا ماركزنا على الجوانب التعليمية والإجتماعية والثقافية. فمعظم اليمنيين الذين تتواجد عائلاتهم معهم ولديهم أولاد في سن الدراسة يواجهون تحديات كبيرة في ما يتعلق بتعليم أبنائهم والأهتمام بجوانب تنشئتهم وذلك يرجع الى افتقار الجالية إلى عمل مؤسسي ووجود نخبة متعلمة تعمل على السعي لفتح مدرسة أو مدارس أو مركز ثقافي للجالية هناك. وليس ذلك فحسب بل إن الجالية منسية من قائمة إهتمام الجهات الرسمية في السفارة وإن وجدت قنصلية في غرب أميريكا فإنها بحسب معلوماتي الأكيدة لا تقوم إلا بدورها الروتيني الإداري البحت الذي لم ولن يخفف من المعاناة التي يتجرع مرارتها المغتربون في ولاية كالبفورنيا.
ومن المشاكل والهموم التي تعانيها الجاليه في كاليفورنيا وبقية الولايات بشكل عام الآتي:
– إنخراط أبناء الجالية في أعمال تشغل معظم أوقاتهم مما يبعدهم عن الإهتمام بأسرهم وأولادهم.
– عدم إتقان الكثير منهم للغة الإنجليزية وعدم وعي الكثير منهم بأهمية ذلك حيث ان عددا كبيرا منهم مر على إغترابه أكثر من عشرين سنة ولا يستطيع التحدث أو الكتابة باللغة الأنجليزية.
– التقوقع وعدم المشاركة والتفاعل الإيجابي مع المجتمع رغم سهولة التكيف والتفاعل مع غالبية المجتمع الأميريكي المعروف بالأنفتاح.
– عدم تشجيع جيل الأبناء على مواصلة التعليم والإستفادة من فرص التعليم الكثيرة والمتنوعة مما يحرم جيل الأبناء من ضمان مستقبل مشرق وكذا حرمان اليمن من الإستفادة من أبنائها إذا قرروا العودة اليها.
– الزج بالمرأة اليمنية في أعمال لا تليق بمكانتها وعدم تشجيعها على تعلم اللغة واكتساب بعض المهارات والخبرات التي تساعدها في الأهتمام بأولادها ورعايتهم بشكل أفضل.
– عدم قدرة كثير من جيل الإباء على التعامل بطريقة تربوية سليمة مع الأبناء الذين تربوا في المهجر ويجهلون طبيعة العلاقة التي ينبغي أن تكومن بين الآباء والأبناء مما يسبب كثيرا من المشاكل الأجتماعية المؤسفة.
– جهل كثير من أبناء الجالية بواجباتهم وحقوقهم في بلاد المهجر وعدم وعي الكثير بوجود فرص كثيرة يمكن من خلالها تحسين اوضاعهم المعيشية والأجتماعية.
– إصرار بعض ابناء الجالية اليمنية على عدم التخلي عن بعض العادات السيئة الموجودة في اليمن وعدم الإرتقاء بتفكيرهم ومستوى حياتهم فتجد الكثيرين لا تتغير كثير من السلوكيات لديهم رغم اغترلبهم الطويل ومن هذه العادات مضغ القات رغم انه محظور وكذا النزعة المناطقية الموجودة عند البعض.
– عدم وعي كثير من أبناء الجاليه بالطريقة المثلى للإستثمار في ارض الوطن أو في المهجر.
– فتور العمل المؤسسي لدى الجالية اليمنية لافتقارهم الى نخبه متعلمة قادرة على لم الصف وتوحيد الجهود والأمكانات لتأسيس جمعبات ترعى شؤون الجالبه وتكون حلقة وصل للتعاون مع المنظمات الأميريكية.
– شعور كل المغتربين بعدم وجود جهات رسمية ترعاهم كالسفارة مثلا مما يشكل احباطا كبيرا للمغتربين خصوصا عندما يلمسون أهتما م كثير من الدول برعاياها رقم عددهم القليل، فالسفارة اليمنية والجهات الرسمية لا يكاد يكون لها دور هام فيما يتعلق بالقضايا الأساسية للجالية مثل التعليم والثقافة والرعاية المتواصلة، وإن وجد بعض الأهتمام الرسمي فهو مناسباتي ومحدود جدا ولا يمثل حتى الحد الأدني مما يجب ان تقوم به هذه الجهات (الخارجية – وزارة شؤون المغتربين- السفارة).
– ومما يجدر الإشارة إليه هوأن الجالية اليمنية تمتلك عددا من المراكز الإسلامية والتي تستخدم عادة كمسجد للصلاة وفي أحسن الأحوال يتم تدريس القرآن الكريم واللغة العربية في نهاية عطلة الأسبوع، ونظرا لعدم توفر كفاءات يمنية متخصصة وانشغال الأباء في اعمالهم فإنه لا يستفاد من هذه المراكز الأستفادة الكبيرة المرجوة والتي تتمثل في تفعيل دورها من خلال تأسيس مدرسة متكاملة للجالية ومركز ثقافي اجتماعي يعمل على نشر الوعي وخلق بيئة ملائمة لليمنيين و جعل هذه المراكز وسيلة للتنوير والمتعة والفائدة.
ورغم كل ما سبق فإننا لا يمكن أن نغفل ان الجالية اليمنية تحقق بعضا من النجاحات في مختلف الأصعدة ويتميز اليمنيون بشدة ولائهم لبلادهم وارتباطهم بها وحنينهم الدائم للعودة، فيوجد هنا عدد من أبناء الجاليه اليمنية ممن استفادو من الغربه وتمنكوا من مواصل تعليمهم واسنطاعوا الحصول على أعلى المؤهلات العلمية في تخصصات مختلفة وهم يلعبون دورا مشرفا في اماكن عملهم.
كما يوجد عدد من رجال الأعمال اليمنيين الذين حققوا نجاحات متميزة في الأعمال التجارية مما يجعلهم قادرين أكثر على تمثيل بلدهم بشكل طيب، فتجد الجاليه اليمنية تتفاعل مع المستجدات في الساحة اليمنية وتقوم بتنظيم الأحتفالات بالمناسبات الوطنية والدينية التي تعمق ولاءهم وانتماءهم لليمن الحبيب.
الحلول والمعالجات المقترحة :
لا شك ان جزء من اسباب هذه المشكلات والهموم يتحملها المغتربون أنفسهم كونهم من يعيشون هذا الواقع ولكن الجزء الأكبر يقع على الجهات الرسمية في الداخل وكذا السفارة وقنصليتها نظرا لما يمثله المغتربون من أهمية كبيرة كونهم سفراء يمثلون اليمن ولهم جذور راسخة في أرض الوطن والذي يحتاج اليهم وإلى اسهاماتهم في دفع عجلة التنمية الشاملة في اليمن.. وساذكر بعضا من الحلول والمقترحات العملية الني يمكن ان تسهم في تحسين واقع اليمنيين في الغربة وتعزيز ولائهم وانتمائهم للوطن من خلال الآتي:
1) تفعيل دور الملحقيات الثقافية والقنصلية في أميريكا من خلال تزويدها بكفاءات يمنية مؤهلة ذات خبرة عالية في مجالات التربية والتعليم والثقافة والجوانب الأجتماعية والدينية على الأ تخضع هذه المناصب للمجاملات بل يكون للكفاءة والخبرة وحسن الخلق النصيب الأوفر مع وجوب إلألمام باللغة الإنجليزية كتابة ونطقا وبمعرفة كافية بواقع المجتمع الأميريكي. ويمكن ان تتعاون جهات رسمية في هذا الأمر مثل الوزارات المعنية مع وزارة الثقافة والتربية وجامعة صنعاء وغيرها.
2) العمل على الأستفادة من إمكانات الجالية المادية المتمثلة بامتلاكها لعدد لا بأس به من المباني أو المراكزالمخصصة للصلاة من خلال تهيئتها واستخدامها كمدارس مرتبطة بالتربية والتعليم أوتاسيس مراكز ثقافية فيها تحوي مكتبات صغيرة وغيرها علما بأن هذا لن يكلف الحكومة اية مبالغ فالمغتربون قادرون على التمويل ولكنهم يحتاجون الجهد الرسمي لتنظيم العمل والدفع به إلى الأمام وريادة الجالية بحيث تشعر ان هناك من يرعاها ويقوم على مصالحها.
3) تجنب العمل الحزبي الضيق بين اليمنيين الذي لن يؤدي إلا الى مزيد من التفرق والضياع فكل اليمنيون في المهجر ينتمون الى حزب واحد كبير وهو فوق الأحزاب , إنه اليمن الكبير الذي يعتز كل يمني بالأنتماء اليه أما الولاءات الحزبية الضيقة فلا داعي لها وينبغي على الجهات الرسمية ان تترفع عن التعامل الحزبي الضيق فالكل ابناء اليمن وولاءهم بعد الله لليمن ووحدته وشعبه ودستوره ونظامه الجمهوري.
4) ضرورة انشاء قاعدة بيانات لكل ابناء الجالية اليمنية تحوي البايانات والإحصائيات الضرورية التي تمكن صانعي القرار من التخطيط والعمل على رسم سياسات واضحة وعملية تسهم في تحسين اوضاع المغتربين اليمنيين.
5) إنشاء مركز ثقافي يمني يديره نخبة من اليمنيين المؤهلين من اليمن ومن أبناء الجالية اليمنية على ان يكون الهدف الرئيسي للمركز هو الإهتمام بالقضايا التعليمية والثقافية والوطنية والأقتصادية وألإجتماعية والدينية، ويكون برعاية الجهات ذات العلاقة ويشرف على هذه الأنشطة نخبة من المتخصصين ألأكفاء في المجالات ذات العلاقة مع إلمامهم باللغة الإنجليزية على أن يتسم عمل هذا المركز بالمهنية البحته حتى يكتب له النجاح، ويمكن ان يكون لهذا المركز فروع في كاليفورنيا وميتشجن ونيو يورك.
6) العمل على الإستفادة القصوى من المؤتمرات الخاصة بالمعتربين وتطبيق توصياتها واستغلال هذه الفرصة للدفع بمسيرة التنمية الشاملة للمغتربين واليمن بشكل عام على اعتبار أن المغتربين اليمنيين يمكن ان يلعبوا دورا بارزا في النهوض والرقي بمستوى البلاد.
7) العمل على بلورة إعلام متخصص في قضايا المغتربين يؤدي دورا رائدا في نشر الوعي وربط المغتربين بوطنهم خصوصا في العصر الراهن عصر المعلومات والأنترنت والفضائيات.
ختاما أسأل الله العلي القديران يوفق كل الجهود المخلصة التي تعمل من أجل خدمة ورعاية أبناء الجالية اليمنية في أميريكا وفي كافة الأرجاء التي يتواجد فيها اليمنيون. ولا يفوتني هنا ان أقدم الشكر الجزيل لموقع “نبأ نيوز” والقائمين عليه لما يقدمونه من اهتمام كبير بقضايا المغتربين متمنيا لهم كل التوفيق.
•د. أحمد العباسي – جامعة صنعاء- مغترب سابق في كاليفورنيا