كينيــــــــــا
تقع كينيا على خط الاستواء في الوسط الشرقي للقارة الأفريقية و عاصمتها نيروبى و يعد ميناء مومباسا هو أكبر وأهم ميناء على الساحل الشرقي للقارة الأفريقية، وطبيعته ساحرة، يقع في كينيا على المحيط الهندي تحت خط الاستواء قليلا ويعتبر من أقدم الموانئ الأفريقية، وقطعا أقدمها على الساحل الشرقي. ويمتد الميناء على جزيرة تحمل نفس اسم المدينة وترتبط بالأرض الأم عبر جسر رئيسي بالإضافة الى المراكب البخارية التي تنقل الركاب بين الضفتين، حيث تضخمت المدينة وانتشرت أجزاءٌ منها على الأرض الأم .
ورغم أن مومباسا أكبر وأهم ميناء على الساحل الشرقي لأفريقيا، فضلا عن كونها أهم مناطق القارة جذبا للسياحة، فهي لا تزال فقيرة تشبه كثيرا المدن الأفريقية في بؤسها وتدني خدماتها. لكن الله حباها بطبيعة خلابة ومناخ معتدل لا شك في أنهما كانا سببين أساسيين في لفت أنظار الغزاة والمستعمرين إليها. وبعد قرون من الاستعمار أصبحت هبة الطبيعة هذه مصدرا أساسيا للدخل، إذ يزور البلاد نحو 800 ألف سائح في العام (غالبيتهم من الدول الغربية) ويبلغ إجمالي عائدات السياحة نحو 600 مليون دولار سنويا.
ورغم فقر المدينة القديمة فقد نشأت حولها منتجعات سياحية ضخمة وحديثة تستفيد من الطبيعة الخلابة ومن شواطئ ومياه المحيط الهندي الدافئة، فضلا عن قربها الشديد من أشهر محميات الحيوانات الكبيرة في سهول السافانا الأفريقية مثل «سافو» الغربية و«سافو» الشرقية.. وهما محميتان ضخمتان تعيش فيهما حيوانات الغاب المفترسة على طبيعتها. ومن تلك المحميات تستطيع رؤية جبل «كليمنغارو» ذا القمة البيضاء المغطاة بالثلوج نظرا الى أنه أعلى جبل في أفريقيا، بينما طقس إستوائي يحيط بأسفله.
وتنظم شركات السياحة المنتشرة في المدينة رحلات سياحية داخل هذه المحميات تستغرق عادة بين 3 و4 أيام، ينام خلالها الزوار (الذين يتضمنون أسراً وأطفالا) في استراحات مريحة ومجهزة بكل اللوازم والمطاعم، بينما يقضون النهار في التجول بسيارات أعدت خصيصا لرؤية الحيوانات ويقودها سائقون محترفون. ويعمل السائقون أنفسهم كمرشدين، إذ إنهم يعرفون أماكن اختباء الحيوانات وطِباعِها وأوقات خروجها من أوكارها، وإلى أي مدى يمكن الاقتراب منها أو الابتعاد عنها.
وغالبا ما تكون الاستراحات الليلية بالقرب من موارد الماء التي لا بد أن تلجأ اليها جميع الحيوانات للشرب في أوقات مختلفة من اليوم. ولا يفوتني هنا أن اشير الى جمال المعمار الذي تتمتع به هذه الاستراحات، إذ انها تبدو من الخارج على هيئة أكواخ أفريقية تستخدم السعف والأخشاب، بينما تتمتع في الداخل بكل سبل الراحة الحديثة. ولا بد أيضا من الاشارة الى ان غالبية سكان مومباسا طيبون ويحلو معشرهم. ومن الأنشطة المرغوبة التي يقبل عليها سياحٌ كثيرون الرحلات البحرية، حيث يغوصون تحت سطح الماء للتمتع بتشكيلات ساحرة من الأسماك التي يذخر بها المحيط الهندي. ولو كنت محظوظا فإن أسماك الدلافين عادة ما تأتي الى السياح للسباحة بجانبهم. وقد يعود السبب في ذلك الى تعود هذه الأسماك على إطعامها في تلك المواقع.
الأثر العربي في المدينة: من الملفت للنظر أن ممباسا أصبحت خلال السنوات العشر الماضية قبلة كبرى للسياح الأوربيين والأميركيين بينما غاب عنها السياح العرب تماما رغم أن للمدينة تاريخاً عربيا هاما. فالسياح الغربيون باتوا يفضلون الرحلات الطبيعة (طالما كانت سبل السلامة والأمن متوفرة) على الرحلات الى المناطق السياحية المعهودة. غير أن ما يجعل مومباسا ذات اهتمام عربي هي حقيقة أن العرب، والعُمانيين تحديدا، هم الذين أسسوها منذ القرن العاشر الميلادي وظلوا حتى القرن الماضي يسيطرون عليها بالتناوب مع البرتغاليين ثم البريطانيين، في صراع دائم بهدف السيطرة على حركة الملاحة البحرية والتجارة في المحيط الهندي.
أقدم جوامه ممباسا
وقبل أن نسرد قليلا من تاريخ المدينة فلنقل شيئا بسيطا عن حاضرها والأثر العربي الإسلامي فيها حتى اليوم. يتكون سكان مومباسا من نحو 700 ألف نسمة غالبيتهم من الأفارقة الأصليين بالإضافة الى مجموعة كبيرة من المهجّنين بين الدم الأفريقي والعربي. كما تعيش في المدينة أيضا جالية عربية (عُمانية الأصل)، وأخرى آسيوية (هندية وباكستانية) حضرت للاستقرار والعمل في مومباسا منذ مطلع القرن العشرين عندما أراد البريطانيون إنشاء خطٍ للسكك الحديدية يمتد من المحيط الهندي عبر كينيا حتى يصل شمال شرق تنزانيا وجمهورية أوغندا حيث ينتهي عند بحيرة فكتوريا الشهيرة، منبع نهر النيل. فقد كانت الفكرة ربط المحيط الهندي بالنيل الذي يرتبط بدوره بالبحر الأبيض المتوسط.
وبالطبع ينتشر الإسلام في المدينة وتنتشر المساجد، ونادرا ما يغيب عن أذنيك صوت الآذان للصلوات الخمس. رغم ذلك، لا يستطيع أحد حصر عدد المسلمين في المدينة الذين يعيشون جنبا الى جنب في وئام كامل مع المسيحيين وأصحاب المعتقدات الأفريقية الأخرى. فالمدينة حقا نموذج للتسامح الثقافي والتجانس بين البشر اكتسبته على مدى تاريخها الطويل من وفود الجنسيات والشعوب المختلفة إليها.
ورغم فترة الحكم البرتغالي الطويلة، ثم الاستعمار البريطاني في القرن العشرين فإن الأثر الأوروبي على حياة البشر وعمرانهم وحتى لغتهم لا يضاهي بأي حال من الأحوال الأثر العربي. وعندما سألتُ أحد مثقفي المدينة عن غياب الأثر البرتغالي رغم طول فترة حكمهم التي لم تقل كثيرا عن حكم العرب، قال إن العرب لم يجيئوا كغزاة فقط «بل انهم خالطونا في دمائنا وعاشوا بيننا وأثروا في سلوكنا وعاداتنا». وفي المقابل عاش البرتغاليون باستمرار داخل حي خاص بهم، بل في معظم الأحوال داخل «قلعة المسيح» التي أنشاؤها في عام 1590، وكان هدفهم محصورا في السيطرة على التجارة والملاحة في المحيط الهندي.
«السواحيلية» خليطٌ من اللغة العربية واللغات الأفريقية : يتحدث أهل المدينة اللغة «السواحيلية» التي انتشرت الى داخل القارة وأصبحت الآن إحدى أكبر وأهم اللغات الأفريقية. ومن اسم اللغة نفسها يتبين لنا أن التأثير العربي فيها هائلٌ، فهي في الواقع خليط بين اللغة العربية واللغات المحلية، خصوصا «البانتيو»، ويكاد يكون لا أثر فيها للغة البرتغالية.
ومن الملامح العربية الإسلامية أيضا في المدينة الزي العُماني الخليجي للمرأة (اللباس الأسود وغطاء الرأس). كما أن عمران المدينة، خصوصا المدينة القديمة، يشبه العمران العُماني الى درجة كبيرة.
لكن المدينة القديمة، وهي صغيرة وطرازها المعماري قديم وجميل، تقع حول حصن عتيق يدعى «قلعة المسيح» التي كان البرتغاليون قد بنوها على شكل الصليب في نهاية القرن السادس عشر لحماية أنفسهم ضد الهجمات العمانية من البحر. غير أن القلعة سقطت في أيدي العُمانيين ثم البرتغاليين ثم العُمانيين مرة أخرى.. وهكذا استمر الحال 9 مرات عبر مئات السنين. وعندما استولى البريطانيون على القلعة في أواخر القرن الماضي حوّلوها الى سجن، ثم أصبحت بعد استقلال كينيا في عام 1963 متحفا قوميا يحكي ويجسد تاريخ المدينة العنيف والعريق.
وفي كل مرة كان العمانيون أو البرتغاليون يسيطرون على القلعة كانوا يغيرون أبوابها ويضعون أبوابا تحمل النقوش والزخارف الإسلامية أو المسيحية حسب المحتل الجديد. كما كانوا يحوّلون معبدها إما الى مسجد وإما كنيسة. وعندما سقطت القلعة في أيدي العمانيين لأول مرة، كان العمانيون قد حاصروها من البحر والبر لأكثر من عام، ولم يستسلم البرتغاليون الا عندما مات أغلب سكان القلعة التي لجأ إليها جميع البرتغاليين في المدينة ليحتموا في داخلها من الغزاة العمانيين. لكن الأمر انتهى بهم الى الموت جوعا وعطشا بعد ان قطع الحصار عنهم جميع الإمدادات بهدف إجبارهم على الاستسلام.
ابن بطوطة وفسكو دي جاما: أسس المدينة التجار والبحارة العرب في أواخر القرن التاسع الميلادي، ثم زارها الرحالة المعروف ابن بطوطة في عام 1330، كما زارها أيضا المستكشف البرتغالي فاسكو دي جاما في عام 1498. وفي عام 1840 ـ وبعد أن انتقلت المدينة من أيدي البرتغاليين الى العرب وبالعكس عدة مرات ـ خضعت المدينة الى سيطرة سلطان زنجبار العماني الأصل ثم سيطر عليها البريطانيون في عام 1895، ثم أصبحت عاصمة المحمية البريطانية لشرق أفريقيا في عام 1907.
ومنذ بداية القرن العاشر الميلادي أسس العرب العمانيون بجانب مومباسا عددا من المدن والموانئ الصغيرة على المحيط الهندي، خصوصا في كينيا وتنزانيا، بحيث اصبحوا يسيطرون على حركة التجارة في المحيط الهندي. ولكن منذ أن اكتشف دي جاما الطريق البحري الى الهند عبر المرور برأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا والوصول الى مومباسا من الجنوب، حاول البرتغاليون على مدى قرن السيطرة على مدن زنجبار التي أنشأها العرب، وبالتالي السيطرة على التجارة في المحيط. وبالفعل طوال القرن السادس عشر وحتى بداية السابع عشر نجح البرتغاليون في تحقيق ذلك دون منازعة كبيرة. واليوم ـ بالإضافة الى دخل السياحة واستخدام الميناء ـ فإن مومباسا تحتوي على مصافٍ لتكرير النفط الخام ومصانع متطورة للسكر .
مومباسا
مدينة تاريخية ساحلية كينية, تعد ثانية مدن البلاد ضخامة بعد العاصمة. لها أهمية اقتصادية وسياحية بالغة، أغلبية سكانها مسلمون، وهي المنفذ البحري الوحيد لدول إقليمية عديدة.
الموقع
تقع مومباسا في جزيرة تحمل اسمها شرقي كينيا, ويربطها جسر نيالي بالبر شمالا، كما يربطها به جسر فيري جنوبا، وجسر مكوبا غربا.
تبعد عن العاصمة 470 كيلومترا وتطل على ساحل المحيط الهندي, وطقسها حار رطب. وهي حاضرة إقليم مومباسا والمركز الرئيسي لعدد من المحافظات الساحلية. وقد اشتهرت بكونها مركزا تجاريا تصارعت عليه القوى العالمية منذ نهاية القرن الخامس عشر الميلادي.
السكان
يقطن مومباسا نحو 940 ألف نسمة -حسب إحصائيات عام 2009- يتكلمون اللغة السواحلية، وهي موطن لكثير من القبائل المحلية مثل الديغو والغرياما والبكومو والباجون، وبعض العرب من أصول عمانية ويمنية. ويمثل المسلمون أغلبية سكانها.
التاريخ
كانت مومباسا إحدى المدن المهمة على الساحل الشرقي لأفريقيا، وقد زارها وكتب عنها الرحالة القدماء مثل ابن بطوطة الذي زارها عام 1331 ووصفها بأنها مدينة تجارية.
زارها أيضا عام 1498 المكتشف البرتغالي فاسكو دي غاما فاحتلها البرتغاليون بعد عامين من زيارته، وبنوا فيها “قلعة المسيح” على شكل صليب، وكان هدفهم الأساسي السيطرة على التجارة والملاحة في المحيط الهندي، لكنهم حاربوا الثقافة العربية في المنطقة.
انتزعها العرب العمانيون في عام 1698 من البرتغاليين الذين كانوا يحكمون جزيرة زنجبار في تنزانيا، حيث أصبحت مومباسا تحت حكم عمان.
من أهم العائلات العمانية التي حكمت مومباسا عائلة المزروعي التي ينحدر منها العالم والمؤرخ الشهير البروفيسور علي المزروعي المتوفى في سبتمبر/أيلول 2014.
سيطر البريطانيون عليها عام 1875 وأعلنوا وضعها تحت حماية إمبراطوريتهم. وقد تنازل حاكم زنجبار عن منطقة الساحل التي تعتبر مومباسا عاصمتها للبريطانيين، لكنه اشترط مقابل تخليه عنها التزام حكومة بريطانيا بالمحافظة على حرية التدين والعبادة للجميع وخاصة المسلمين، والاحتفاظ بسلطة المحاكم الشرعية الخاصة بالمسلمين في قضايا الأحوال الشخصية، وتعيين الإداريين المسلمين في المناطق ذات الأغلبية المسلمة، وتعليم أولاد المسلمين اللغة العربية ودعم المدارس الإسلامية.
ألحق البريطانيون منطقة الساحل بكينيا عندما استقلت عنهم عام 1963، بشرط الاحتفاظ بخصوصية المسلمين وفقا الاتفاقية التي أبرمها البريطانيون مع سلطان زنجبار.
الاقتصاد
تعتبر مومباسا من أهم المدن السياحية في كينيا، حيث توجد فيها الغابات والجبال المعروفة بـ”سفارى كينيا الساحرة”، ويعد ساحل مومباسا الجنوبي واحدا من أهم الأماكن السياحية في كينيا، حيث الرمال الناعمة والمياه الزرقاء الصافية، وأشجار النخيل، والشعاب المرجانية ذات الألوان الخلابة.
تكتسب المدينة أهميتها الاقتصادية من احتوائها على أهم ميناء بحري في دول شرق ووسط أفريقيا، وهو المنفذ البحري الوحيد لعدد من الدول المجاورة، مثل أوغندا ورواندا وبوروندي وجنوب السودان والأجزاء الشرقية من جمهورية الكونغو الديمقراطية، كما يوجد فيها الكثير من الفنادق والمراكز التجارية الشعبية والحديثة, وفيها “مطار موي” الدولي.
المصدر : الجزيرة